الخميس، 12 أبريل 2018

1984 تلغيم البحر الاحمر ومشاركة مع الجانب الامريكى انذاك


زرع الألغام والاستقلال السياسي
للدول المطلة على البحر الأحمر 
                د. بدرية العوضي*




المقدمة:
تعيش منطقة الشرق الأوسط بسبب الحروب الدولية والداخلية فيها، حالة من عدم الاستقرار تكاد لا تضاهيها فيها منطقة أخرى في العالم. ولقد تعرضت المنطقة اعتبارا من 9 يوليه إلى 27 أغسطس 1984، إلى نوع من الأعمال غير المشروعة بموجب قواعد القانون الدولي، وتتمثل في سلسلة من  انفجارات الألغام في مناطق متفرقة في البحر الأحمر وخليج السويس. وقد أسفرت هذه الانفجارات عن إصابة حوالي تسع عشرة سفينة تجارية خلال شهري يوليو وأغسطس 1984 (1). كما تبع بداية هذه الانفجارات ورافقها تظاهرة عسكرية للقوات البحرية الأجنبية في البحر الأحمر وخليج السويس، تمثلت في استقدام اكثر من ثلاثين سفينة حربية، من كاسحات الألغام وغيرها، للبحث عن الألغام في تلك المنطقة. ولا شك أن هذه التظاهرة تشكل، لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار الأوضاع السائدة في المنطقة، خطرا على الاستقلال السياسي بالنسبة للدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس، فضلا عن أن هذه الانفجارات قد تعرض للخطر كذلك المصالح الحيوية للامة جمعاء كما سنوضح في حينه (2).
إن وجود السفن الحربية الأجنبية في هذه المنطقة البحرية، يعد سابقة خطيرة في العلاقات الدولية ، رغم أن وجودها كان بناء على طلب من حكومات الدول المطلة على البحر الأحمر. ومما يزيد من خطورة الأمر، تبعية هذه السفن لاربع دول كبرى هي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة.
وجدير بالذكر أن مساهمات الدول المشاركة في عمليات البحث عن الألغام كانت على النحول التالي: 12 كاسحة الغام قديمة تابعة لمصر، 4 سفن خاصة بالبحث عن الألغام لبريطانيا، 4كاسحات الغام تابعة لفرنسا، سفينتي مساعدة تابعتين لفرنسا. أما مساهمة الولايات المتحدة فتتمثل في: 4 طائرات هليوكبتر، وفرقة مكونة من مائتي رجل على متن سفينة حربية، وسفينة أبحاث يعمل عليها 15 خبيرا في شؤون الألغام البحرية، إضافة إلى 3 طائرات هليوكبتر خاصة أرسلت في فترة لاحقة مع إحدى قطع الأسطول الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط إلى المملكة العربية السعودية بناء على طلبها، للبحث عن الألغام في موانيها الرئيسية (ميناء جدة وميناء ينبع )، والتوجيه بعد ذلك إلى الجزء الجنوبي من البحر الأحمر الذي وقعت فيه معظم الانفجارات. وكما أوردت وكالات الأنباء، فأن الاتحاد السوفيتي أرسل بعض  القطع البحرية إضافة إلى حاملة الطائرات "ليننجراد" إلى المنطقة الجنوبية من البحر الأحمر للمساعدة في عملية البحث عن الألغام بالقرب من مضيق باب المندب وحول سواحل اليمن، علما بان أربع سفن تجارية تابعة للمعسكر الشرقي على الأقل قد تضررت من جراء انفجار الألغام في البحر الأحمر.
وهذا وقد تم تشكيل لجنة عسكرية لادارة القوات المتعددة الجنسيات – فيما عدا القوات السوفيتية – برئاسة قائد عسكري من جمهورية مصر العربية. تم توزيع الأعمال فيما بين الدول المشاركة في اللجنة على النحو التالي:
تتمركز القوة البريطانية بالقرب من القاعدة البحرية المصرية القريبة من السويس "الأدبية". أما القوة الأمريكية فتوضع في منطقة "رأس شقير" التي توجد فيها معدات التنقيب عن النفط وبالقرب من ميناءي الغردقة، وسفاجا. كما تحدد مجال عمل القوة الفرنسية في اتجاه السواحل السعودية، علما بان هناك قاعدة فرنسية في جيبوتي عند مدخل باب المندب. أما السفن التابعة لكل من ايطاليا وهولندا، فأنها تقوم بمساعدة القوات الأخرى في خليج السويس والبحر الأحمر. وذكرت المصادر الغربية أن مهمة هذه القوات تنحصر في تقديم المساعدات التقنية للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس (3).
هذا ويمكن إجمال البواعث أو الدوافع وراء زرع الألغام في البحر الأحمر وخليج السويس، والتي يمكن من خلالها التكهن بمصدر أو مصادر هذه الألغام (4) أو على الأقل التعرف على الدول المستفيدة منها، بالأمور التالية:
1-     منع تصدير البترول العراقي عن طريق البحر الأحمر وخليج العقبة عبر الأراضي السعودية تمهيدا لإغلاق الممر الرئيسي لبترول الخليج (5).
2-     زعزعة الأمن في البحر الأحمر، وذلك بهدف ضرب مصالح المملكة العربية السعودية التي تقف موقفا مؤيدا للعراق في نزاعه مع إيران (6).
3-     زعزعة الأمن الملاحي في المضايق والقنوات الدولية (باب المندب) و(مضيق تيران) و(قناة السويس) والتشكيك في قدرة دول المنطقة المطلة على البحر الأحمر في المحافظة على الأمن الملاحي.
4-     تنشيط عمليات استخراج بترول دول أمريكا اللاتينية وتسويقه إلى أقصى حد بدلا عن البترول العربي أو الإيراني، وذلك من اجل مساعدتها لسداد ديونها الباهظة للحكومة والبنوك الأمريكية وعدد من الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات التي تسيطر عليها الاحتكارات الأمريكية والأوروبية (7).
و أخيرا، فانه لا ريب أن إبراز الجوانب القانونية لعملية زرع الألغام في البحر الأحمر وخليج السويس، وبيان عدم مشروعية هذه العملية وحقوق الدول المطلة على كل منها لمواجهة مثل هذه العمليات – أمر في غاية الأهمية بالنسبة للحفاظ على أمن واستقرار دول المنطقة، فضلا عن أمن وسلامة الملاحة الدولية في هذا الممر البحري الاستراتيجي، ويمكن لنا دراسة هذه الجوانب من خلال البنود الثلاثة التالية:
أولا: المبادئ والقواعد القانونية المتعلقة بأمن وسلامة الدول الساحلية المطلة على الممرات الدولية البحرية والبحار الإقليمية.
ثانيا: حماية الاستقلال السياسي للدول المطلعة على البحر الأحمر وخليج السويس من عملية زرع الألغام بموجب مبدأ حق البقاء.
ثالثا: الدروس المستفادة من عملية زرع الألغام و إمكانية التعاون الإقليمي بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، (الهيئة الإقليمية للإرشاد والمراقبة).
أولا: المبادئ والقواعد القانونية المتعلقة بأمن وسلامة الدول الساحلية المطلة على الممرات الدولية البحرية والبحار الإقليمية.
تنقسم الممرات الدولية البحرية من ناحية النظام القانوني الذي يحكمها إلى نوعين:
القنوات: وهي ممرات بحرية صناعية أنشئت للملاحة ووضع لها نظام قانوني بمقتضى اتفاقيات دولية خاصة كما هو الحال بالنسبة لقناة كييل وقناة بنما وقناة السويس التي سوف نتناول النظام القانوني الذي يحكمها بشيء من التفصيل في هذه الدراسة (8).
المضايق: تعتبر المضايق من الناحية الجغرافية ممرات بحرية طبيعية أي تشكلت وفقا لظروف جغرافية وجيولوجية، وبمقتضى القواعد الدولية العرفية، فان اصطلاح المضيق يطلق على الممرات البحرية التي يتجاوز اتساعها عادة عرض البحر الإقليمي، والتي تصل بين جزاين منع أعالي البحار. وتعرف هذه الممرات اصطلاحيا باسم المضايق الدولية، ويحكمها نظام قانوني يجد قواعده في الاتفاقات والأعراف الدولية. ومن قبيل ذلك مضيق هرمز ومضايق تيران ومضيق باب المندب الذي يصل بين البحر الأحمر وبحر العرب (9).
وتكمن أهمية الممرات الدولية البحرية، الصناعية والطبيعية، في أنها تسهل على السفن التجارية والحربية قطع مسافات واسعة للوصول إلى المكان الذي تستهدفه، وتزود تلك السفن بما تحتاجه عادة من وسائل تموين ووقود (10).
وحيث أن الممرات الدولية البحرية قد تمثل أجزاء من إقليم الدولة أو من مياهها الداخلية أو الإقليمية، فأنها تخضع للأنظمة التي تضعها الدولة التي تمر بها القناة أو التي تقع على المضيق. ومن ناحية أخرى، فان المصالح الدولية تقتضي بان تخضع الدولة البحرية التي تقع القناة في إقليمها، أو تكون محاذية للمضيق الدولي، لبعض القيود القانونية أخذا في الاعتبار المصالح الدولية للمجتمع الدولي، ولتفادي هذا الصراع بين مصالح الدول الساحلية والدول الأخرى، قام المجتمع الدولي بوضع نظام قانوني للممرات يحفظ التوازن بين اعتبارات الأمن والحماية للدول الساحلية، وبين مصالح الدول الأخرى في استخدام الممرات البحرية.
وعلى الرغم من وجود التنظيم الدولي لتلك الممرات البحرية الدولية، إلا أن تضارب المصالح الدولية وتباينها قد عرض في كثير من الأحوال الأمن الملاحي في هذه الممرات الدولية البحرية للمخاطر، وبصورة خاصة تعريض الأمن والاستقلال السياسي للدول المشاطئة للمضيق والدول التي تقع القنوات الدولية ضمن إقليمها. هذا الواقع الدولي تأكد مؤخرا في عملية زرع الألغام في البحر الأحمر وخليج السويس. لذلك نخصص هذا القسم بشأن أمن وسلامة الدول الساحلية المطلة على الممرات المائية الدولية والبحار الإقليمية على النحو التالي:
1-   النظام القانوني بشأن أمن وسلامة الدول المطلة على القنوات الدولية.
2-   النظام القانوني بشأن أمن وسلامة الدول المشاطئة للمضايق الدولية.
3-   النظام القانوني بشأن أمن وسلامة الدول الساحلية في البحر الإقليمي.
1-   النظام القانوني بشأن أمن وسلامة الدول المطلة على القنوات الدولية – الوضع الخاص بقناة السويس: إن القنوات التي تحظى باهتمام القانون الدولي، هي القنوات التي تستخدم للملاحة الدولية، مثال ذلك قناة السويس وقناة بنما وقناة كييل. تلك التي حددت نظامها القانوني اتفاقيات دولية. ومن أهم المبادئ القانوني التي تحكم القنوات الدولية، ومنها قناة السويس، مبدا حرية الملاحة لسفن جميع الدول في وقت السلم، من خلال قاعدة حق المرور البريء، وحيث أن قناة السويس قد كانت هدفا مباشرا لعملية زرع الألغام في البحر الأحمر وخليج السويس، فسوف نتناول النظام القانوني الذي يحكمها بموجب اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 (11).
أكدت المادة الأولى من الاتفاقية المذكورة على مبدأ حرية الملاحة في القنوات الدولية عندما نصت بانه:
تظل قناة السويس البحرية بصفة دائمة حرة ومفتوحة في زمن السلم كما في زمن الحرب، لجميع السفن التجارية والحربية بدون تمييز بين جنسياتها.
وبمقتضى المادة الأولى من اتفاقية القسطنطينية، فانه يمكن القول بان النظام القانوني لقناة السويس يخضع للاحكام والمبادئ العامة التي تسري على الملاحة في المضايق الدولية، ونقصد بذلك اقرار مبدأ حق المرور البريء للسفن الأجنبية  التجارية والحربية في وقت السلم والحرب. ومن جانب آخر ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف فيها، بضمان أمن القناة وعدم المساس بسلامة القناة أو منشآتها (12).
ونظرا لأهمية خضوع قناة السويس لسيادة مصر، أكدت المادة الثامنة من اتفاقية القاهرة لعام 1954، على ذلك كما يلي:
"أولا: أن قناة السويس تعتبر مياهها جزءا من المياه الداخلية لجمهورية مصر العربية، ولا يحد من ذلك إلا الالتزامات الواردة في اتفاقية القسطنطينية، أو أي معاهدة أخرى توقعها مصر. وبناء على تلك القاعدة، فان لمصر وحدها الحق في اتخاذ سائر الإجراءات الخاصة بالدفاع عن القناة، فانه يحق لها أن تباشر في القناة حقوق الدولة المحاربة ضد الدولة التي تكون في حالة حرب معها".
وتجدر الإشارة إلى أن مصر مارست حق ضد السفن الإسرائيلية والسفن الأجنبية  المتجهة والخارجة من والى إسرائيل، وذلك منذ حرب فلسطين عام 1948 إلى نوفمبر 1976، عندما اعلنت مصر قبولها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) الذي تقضي الفقرة الفرعية (ب) من الفقرة الثانية منه بما يلي: "ويؤكد المجلس الحاجة إلى: ب – ضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية في المنطقة".
وحول مدى تأثير القرار رقم (242) على التزام مصر بالسماح للسفن الإسرائيلية بالعبور في قناة السويس، يرى د. عبد العزيز سرحان بان مصر غير ملزمة بتنفيذ هذا القرار والسماح بمرور السفن الإسرائيلية في قناة السويس، استنادا على المادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية التي تعطي لمصر الحق في اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للدفاع عن مصر وعن الأمن العام (14) ويضف د. سرحان أن قرار مجلس الأمن الدولي لا يستطيع تعديل أحكام اتفاقية القسطنطينية، ولا يمكن أن يتم التعديل إلا بتعبير صريح عن إرادة مصر في صورة معاهدة دولية أو إجراء منفرد من جانبها (15).
والواقع أن هذا الرأي رغم صحته، إلا انه لم يعد ذا موضوع بموجب الفقرة (د) من الوثيقة الثانية بشان إطار عمل لعقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل لعام 1979، عندما اعترفت مصر بحق المرور العابر للسفن الإسرائيلية عبر خليج السويس وقناة السويس على النحو التالي:
حق المرور لسفن إسرائيل عبر خليج السويس وقناة السويس على أساس انطباق ميثاق القسطنطينية لعام 1888 على جميع الدول، وان مضيق تيران وخليج العقبة هما ممران مائيان دوليان يجب أن يكونا مفتوحين لجميع الدول من أجل حرية الملاحة والطيران غير معرقلة وغير متوقفة.
وبناء على ذلك، فان القواعد العامة بشأن مرور السفن الأجنبية  في القناة وفقا لاتفاقية القسطنطينية لعام 1888، تسري كذلك على السفن الإسرائيلية اثناء مرورها في قناة السويس.
وعلى الرغم من صراحة الفقرة (د) من معاهدة كامب ديفيد، باستطاعة مصر وفقا للمادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية، اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للدفاع عن مصر وعن الأمن العام في حالة الاشتباه بقيام السفن الإسرائيلية بنشاط يضر بأمنها أو بحسن النظام والسلامة فيف القناة. كما يتيح لها ممارسة حق الزيارة والتفتيش والقبض على السفن التي تمر بقناة السويس في حالة الاشتباه بقيامها بالأعمال غير المشروعة والمضرة بأمن وسلامة الملاحة الدولية في القناة، والتي قد تشكل تهديدا للاستقلال السياسي لجمهورية مصر العربية، والاضرار بمصالحها الاقتصادية خاصة وان قناة السويس تشكل موردا اقتصاديا هاما وجوهريا للشعب المصري (16).
وبناء على ما سبق وفي ضوء الانفجارات التي حدثت في خليج السويس وقناة السويس، فان قيام السلطات المصرية بتفتيش السفن الأجنبية  المارة في القناة، ووضع لوائح واتخاذ إجراءات إدارية للحفاظ على أمنها وسلامتها إنما يدخل ضمن إطار المحافظة على السلم والأمن الملاحي في القناة. كما انه لا يعدو كونه تنفيذا للالتزامات الملقاة على عاتق مصر بموجب كل من أحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 والتصريح الصادر من الحكومة المصرية في عام 1957 بضمان أمن وسلامة حرية الملاحة في القناة لسفن جميع الدول دون تمييز. أن قيام السلطات المختصة في جمهورية مصر العربية بمنع مرور سفن الدول المسئولة عن زرع الألغام في القناة في حالة ثبوت ذلك، لا يتعارض مع الالتزام الملقى على عاتق مصر بموجب اتفاقية القسطنطينية بفتح القناة للملاحة الدولية بصفة دائمة. ذلك لان هذا الالتزام القانوني يقابله واجب أساسي على دول الغير التي تستخدم القناة بعدم التدخل بأي شكل من الأشكال في الاضرار بأمن وسلامة القناة اللذين لا يتجزءان عن أمن وسلامة الدولة ذاتها، وإلا فان مفهوم حرية الملاحة الدولية في القناة يتعارض مع ممارسة الدولة لحقوقها السياسية على إقليمها البري والبحري والمعترف بها دوليا وفقا لمبدأ السيادة والمساواة في السيادة الذي تؤكده المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة (17).
وينبع هذا الحق الأساسي للدول من كونا دولا مستقلة تتمتع بالسيادة الداخلية والخارجية على جميع أجزاء إقليمها، وقد أكدت محكمة التحكيم الدائمة هذا المبدأ في قضية جزيرة بالماس Palmas بين هولندا وأمريكا عام 1928 عندما قررت ما يلي: (18)
"معنى السيادة في العلاقات الدولية الاستقلال، والاستقلال بالنسبة لأي جزء من أرجاء المعمورة هو الحق المقرر للدولة في أن تباشر وظائفها كدولة فوق إقليمها بمنأى عن تدخل أو نفوذ غيرها".
ومن جانب آخر فان القول بعدم أحقية مصر في تفتيش السفن المارة في القناة استنادا إلى المادة الأولى من اتفاقية القسطنطينية في حالة الاشتباه، لا يتفق في اعتقادنا مع المبادئ القانونية الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول والتي تلزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالامتناع في علاقاتها الدولية عن استخدام جميع أشكال القوة ضد الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة، وليس هناك أدنى شك في أن زرع الألغام البحرية في القناة يعد نوعا من أنواع استخدام القوة غير المشروعة من شانه تهديد الاستقلال السياسي لمصر ويعتبر تحديا لسيادتها على القناة، بموجب قواعد القانون الدولي التي تأكدت في اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 (19).
2-  النظام القانوني بشان أمن وسلامة الدول المشاطئة للمضايق الدولية:
يقصد بالمضايق بصورة عامة الممرات البحرية الطبيعية التي يتجاوز اتساعها عادة عرض البحر الإقليمي، والتي تصل بين جزأين من البحر العالي حتى وان كان المضيق يقع بأكمله في إقليم دولة واحدة.
هذا وقد بينت الفقرة الرابعة من المادة (16) من اتفاقية جنيف لأعالي البحار لعام 1958، المفهوم القانوني للمضايق الدولية بأنه: (ذلك الذي يخدم الملاحة الدولية ويصل جزءا من البحر العالي بجزء آخر أو بالبحر الساحلي لدولة أجنبية" (20).
وأكدت الفقرة الأولى من المادة (34) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، أن استخدام المضيق للملاحة الدولية يعد شرطا أساسيا لإضفاء الصفة الدولية على المضيق. وفي ضوء الاعتبارات السابقة عرف د. طلعت الغنيمي المضيق الدولي بأنه: "هو الممر المائي المحصور – الطبيعي أو شبه الطبيعي – الذي يحتوي مساحات بحرية من المياه الساحلية أو المنطقة الاقتصادية أو البحر العالي والذي يستخدم للملاحة الدولية سواء كان لازما لتلك الملاحة أم لا .." (21).
وتجدر الإشارة إلى أن النظام القانوني للمضايق الدولية قد حدد في الجزء الثالث من اتفاقية البحار لعام 1982 بصورة مفصلة. وبينت الفقرة (ج) من المادة (35) من الاتفاقية عدم سريان الأحكام العامة المقررة في ذلك الجزء على المضايق التي تنظم المرور فيها كليا أو جزئيا، اتفاقيات دولية قائمة ونافذة منذ زمن طويل ومتصلة على وجه التحديد بمثل هذه المضايق (22).
"تمارس الدولة المشاطئة للمضايق سيادتها وولايتها رهنا بمراعاة هذا الجزء وقواعد القانون الدولي الأخرى".
وفي مقابل هذا الحق الأساسي  للدولة المشاطئة للمضايق الدولية للتمتع جميع السفن والطائرات في المضايق الدولية المستخدمة للملاحة الدولية و التي تصل بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، بحق المرور العابر لا يجوز أن يعاق (24).
ولمنع أي التباس حول ماهية حق المرور العابر، بينت الفقرة الثانية من المادة 38 من الاتفاقية ذلك كما يلي: (25)
"المرور العابر هو أن تمارس وفقا لهذا الجزء حرية الملاحة والتحليق لغرض وحيد هو العبور السريع في المضيق بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة". غير أن تطلب تواصل العبور وسرعته "لا يمنع المرور خلال المضيق لغرض الدخول إلى دولة مشاطئة للمضيق أو مغادرتها أو العودة منها، مع مراعاة شرط الدخول إلى تلك الدولة".
ولضمان سلامة وأمن الدولة المشاطئة للمضايق الدولية، بينت الفقرات الفرعية أ، ب، ج من الفقرة الأولى من المادة (39) القواعد العامة الواجب مراعاتها من كافة السفن والطائرات اثناء ممارسة حق المرور العابر في المضايق الدولية على النحو التالي:
"على السفن والطائرات، اثناء ممارستها حق المرور العابر:
أ‌-     أن تمضي دون ابطاء خلال المضيق أو فوقه.
ب‌-أن تمتنع عن أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة الدولة المشاطئة للمضيق أو سامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى انتهاكا لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الأمم المتحدة.
ج- أن تمتنع عن أية أنشطة غير تلك الملازمة للأشكال المعتادة لعبورها المتواصل السريع، إلا إذا اصبح ذلك ضروريا بسبب قوة قاهرة أو حالة شدة.
د- أن تمتثل لما يتصل بالأمر من أحكام أخرى في هذا الجزء.
ويستدل من القواعد العامة المدونة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، بان عدم مراعاة السفن التجارية والحربية لتلك القواعد، يعد انتهاكا للقواعد الدولية المستقرة بهذا الشأن. ومن جانب آخر. أجازت الفقرة (أ) من الفقرة الأولى من المادة (42) من الاتفاقية للدول المشاطئة للمضايق، أن تعتمد القوانين والأنظمة بشان المرور العابر في المضايق وذلك لضمان سلامة الملاحة وتنظيم حركة المرور البحري، على إلا يترتب على ذلك إنكار حق المرور العابر للسفن بموجب قواعد القانون الدولي. ولضمان احترام السفن لقوانين وأنظمة الدول المشاطئة للمضايق، قررت الفقرة الرابعة من المادة (42) من الاتفاقية ما يلي:
"تمتثل السفن الأجنبية  لهذه القوانين والأنظمة عند ممارستها حق المرور العابر".
ويتضح لنا بعد استقراء القواعد العامة بشان المرور في المضايق الدولية المستخدمة للملاحة الدولية أن ممارسة الدول المشاطئة للمضايق لحقوقها السيادية قد قيدت إلى حد ما بمقتضى قاعدة حق المرور العابر الذي لا يجوز أن يعاق بالمقارنة بقاعدة حق المرور البريء للسفن الأجنبية  في المضايق الدولية بمقتضى قواعد القانون الدولي العرفي ودونتها اتفاقية جنيف لعام 1958. وإذا كانت الفقرة الأولى من المادة (38) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 قررت تمتع جميع السفن والطائرات بحق المرور العابر أو المرور الحر في المضايق الدولية. فان هذا الوضع ينطبق بداهة على مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر ببحر العرب. وفي اعتقادنا أن ممارسة هذا الحق مرهون بمراعاة السفن الأجنبية  لواجباتها المحددة في المادة (39) من الاتفاقية. وعليه فان اقرار حق المرور العابر أو الحر للسفن الأجنبية  في المضايق المستخدمة للملاحة يجب إلا يكون على حساب أمن وسلامة الإقليم أو الاستقلال السياسي للدول المشاطئة للمضيق كما توحي بذلك عبارة حق المرور العابر الذي لا يجوز أن يعاق في الفقرة الأولى من المادة (38)، والتي تأكدت بصورة قاطعة في المادة (44) من الاتفاقية عندما نصت: "لا تعيق الدول المشاطئة للمضايق المرور العابر، وتقوم بالاعلان المناسب عن أي خطر يكون لها علم يهدد الملاحة أو التحليق داخل المضيق أو فوقه، ولا يوقف المرور العابر."
هذا وقد بين د. طلعت الغنيمي أن القواعد العامة بشان المرور العابر أو الحر في المضايق الدولية والتي لا يجيز للدولة الساحلية بصورة مطلقة إعاقة هذا النوع من المرور في المضايق الدولية، قد يكون المقصود منها الوقف الدائم في معنى التحريم المطلق، خاصة وانه يستفاد من النصوص المتعلقة بالمرور العابر، أن هناك قرينة قانونية تؤكد أن المرور العابر لا يمكن أن يضر بسلامة الدولة وحسن  نظامها وأمنها (26). وبناء على ما سبق توصل د. طلعت الغنيمي إلى أن أحكام الاتفاقية تقيد سلطات الدولة المشاطئة للمضيق، وذكر بان "نصوص المشروع غير الرسمي أميل إلى فرض المرور العابر تحت كافة الظروف والملابسات وعدم الاقرار للدول الساحلية يمكنه إعاقة أو وقف ذلك المرور أيا كانت الأسباب".
ورغم وجاهة هذا الرأي وتمشيه مع النصوص المتعلقة بالمرور العابر في المضايق الدولية المستخدمة للملاحة الدولية، إلا أننا نرى أن اقرار الاتفاقية للدول المشاطئة للمضايق بممارسة سيادتها وولايتها على المضيق يجيز لها اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة في الظروف الطارئة لإيقاف حق المرور العابر بصورة مؤقتة وفي أضيق الحدود في حالة غياب القرينة القانونية بشان المرور العابر الذي لا يضر بأمن وسلامة الدول المشاطئة للمضيق.
إن الأخذ في الاعتبار لهذا المفهوم لحق المرور العابر في المضايق الدولية يمنع في الوقت ذاته إساءة استعمال حق المرور العابر في المضايق الدولية من قبل السفن الأجنبية ، ويتفق كذلك مع القواعد الدولية العرفية بشان حق المرور البريء في المضائق الدولية التي تفرض القيود على السفن الأجنبية اثناء استخدامها لهذا الحق.
وهكذا نجد أن النظام القانوني للمضايق المستخدمة للملاحة الدولية والمدونة في اتفاقية البحار لعام 1982، قد حاولت التوفيق بين مصالح الدولة المشاطئة للمضيق وبين الحماية الدولية في تلك المضائق وقت السلم، وأما في ظل الأوضاع اللاسلم واللاحرب كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط، فانه يصبح من الصعوبة تطبيق تلك القواعد بصورة مطلقة وبدون تحفظ في ذلك من تهديد لأمن وسلامة الدول المشاطئة للمضايق الدولية وخاصة منها الدول العربية المشاطئة للمضايق الدولية العربية.
3- النظام القانوني بشان أمن وسلامة الدولة الساحلية في البحر الإقليمي:
تدل التقارير والأنباء أن اغلب مواقع انفجار الألغام في البحر الأحمر يقع في البحر الإقليمي أو المنطقة الملاصقة للدول الساحلية المطلة على البحر الأحمر. لذلك، فان بيان وتحديد النظام القانوني الذي يقرر توفير الحماية والأمن للدول الساحلية في البحر الإقليمي من خلال تحديد حقوق وواجبات الدول الساحلية على البحر الإقليمي وبالمقابل ماهية حقوق وواجبات الدول الغير في تلك المنطقة، تعد من الأهمية في هذا المقام. وذلك قبل بيان خطورة زرع الألغام على الاستقلال السياسي وامن الدول المطلة على البحر الأحمر. أن النظام القانوني الذي تقرر للبحر الإقليمي بموجب الاتفاقيات الدولية والقضاء الدولي، يؤكد على حق الدولة الساحلية في ممارسة سيادتها على البحر الإقليمي واختصاصات محددة على المنطقة الملاصقة أو المتاخمة له. ويستند الاعتراف بهذه الحقوق إلى اعتبارات الأمن والسلامة الإقليمية للدول الساحلية، وهي المبرر الرئيسي للأخذ بفكرة البحر الإقليمي، وذلك لتفادي الأخطار التي قد تضر بالمصالح التجارية والعسكرية والسياسية للدولة المطلة على البحر، ولضمان حق الدولة الساحلية في استثمار الثروات الحية وغير الحية في تلك المنطقة (27).
وجدير بالذكر أن المجتمع الدولي قد توصل بموجب المادة الثالثة من اتفاقية البحار لعام 1982، إلى وضع تعريف محدد لامتداد البحر الإقليمي، عندما نصت على أن: "لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلا بحريا".
وحددت الفقرات (1، 2، 3) من المادة الثانية، النظام القانوني للبحر الإقليمي والحيز الجوي فوق البحر الإقليمي ولقاعه وباطن أرضه كما يلي:
1-    تمتد سيادة الدولة الساحلية خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية، أو مياهها الارخبيلية إذا كانت دولة أرخبيلية، إلى حزام بحري ملاصق يعرف بالبحر الإقليمي.
2-    تمتد هذه السيادة إلى الحيز الجوي فوق البحر الإقليمي وكذلك إلى قاعه وباطن أرضه.
3-    تمارس السيادة على البحر الإقليمي رهنا بمراعاة أحكام هذه الاتفاقية وغيرها من قواعد القانون الدولي.
ومن ناحية أخرى، قررت المادة (17) من الاتفاقية حق المرور البريء في البحر الإقليمي لسفن جميع الدول، ساحلية كانت أو غير ساحلية. ولتفادي إساءة استعمال حق المرور البريء عرفت الفقرة الأولى من المادة (19) من الاتفاقية معنى المرور البريء بقولها: "يكون المرور برئا ما دام لا يضر بسلم الدولة الساحلية أو بحسن نظامها أو بأمنها، ويتم هذا المرور طبقا لهذه الاتفاقية ولقواعد القانون الدولي الأخرى". (28)
وبناء على القواعد السابقة، ولا تملك الدولة الساحلية منع المرور البريء أو إعاقة ممارسته إذا توافرت في المرور المعايير والضوابط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (19) مثل عدم الاضرار بسلم الدولة الساحلية أو بحسن نظامها أو بأمنها. وفي حالة عدم التزام سفن الدولة الأجنبية  بالمعايير السابقة، يحق للدولة الساحلية منع المرور في مياهها الإقليمية. وبهذه القواعد العامة استطاع المجتمع الدولي التوفيق بين مصلحة الدولة الساحلية في حماية أمنها وسلامتها وبين مصالح الدول الأخرى في رعاية مصالحها من خلال ممارسة حق المرور البريء في المياه الإقليمية للدولة الساحلية. وتجدر الإشارة إلى أن من أهم القيود التي ترد على حق المرور البريء في المياه الإقليمية قيد عدم الاضرار بأمن الدولة، كما جاءت في الفقرة الثانية من المادة 19 من الاتفاقية.
ولا يخفى أن الانفجارات التي حدثت في البحر الأحمر تؤكد الأخذ بمعيار مرن لمفهوم المرور البريء الذي يشكل ضمانة حقيقية لحماية الأمن والاستقلال السياسي للدول الساحلية، خاصة وان القواعد الدولية أقرت للدول الساحلية حق تقرير ما إذا كان المرور في المياه الإقليمية مرورا بريئا من عدمه استنادا إلى حقها الأساسي  في ممارسة حقوق السيادة على إقليمها البحري بموجب قواعد القانون الدولي للبحار العرفية والاتفاقية.
الخلاصة:
تبين لنا من العرض السابق الضمانات القانونية التي توصل إليها المجتمع الدولي لإيجاد تنظيم قانوني لحماية حقوق الدول الساحلية اثناء ممارستها لسيادتها على الممرات البحرية المحاذية لسواحلها. فقد دونت اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 القواعد الدولية المتعارف عليها بشان حرية الملاحة في القنوات الدولية وصيانة حق الدولة التي يمر عبر إقليمها القناة في ممارسة سيادتها على الأنشطة التي قد تضر بأمنها وسلامتها، ومع الحق في اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية في وقت السلم، انطلاقا من مبدأ السيادة وممارستها على إقليم الدولة، ومن ناحية أخرى فان القواعد الدولية بشان المضايق الدولية – كما دونت في اتفاقيات جنيف لعام 1958 واتفاقية البحار لعام 1982 – قد توصلت إلى حد ما إلى إقامة التوازن بين حقوق الدولة المشاطئة للمضايق الدولية في ممارسة سيادتها إلى المضيق وبين حقوق الدول الغير في استخدام المضايق الدولية لرعاية مصالحها الاقتصادية والتجارية. وإذا كانت قواعد القانون الدولي قد قيدت حقوق الدولة المشاطئة على المضائق الدولية لمراعاة مصلحة المجتمع الدولي فان ذلك القيد الاستثنائي يجب ألا يكون أداة لانتقاص حق الدولة المشاطئة للمضائق في اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للحفاظ على أمنها وسلامتها بمقتضى قواعد القانون الدولي للبحار.
وأخيرا فان اقرار المجتمع الدولي بحق المرور البريء في المياه الإقليمية للسفن الأجنبية  يتطلب ألا يشكل ذلك الحق قيدا مطلقا على حرية الدولة الساحلية في ممارسة حقها في السيادة على البحر الإقليمي، خاصة وان فكرة ممارسة الدولة لحقوقها على البحر الإقليمي تستند إلى مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي، ونقصد بذلك مبدأ حق البقاء الذي يعطي للدولة الساحلية الحق في اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والدفاعية سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب لمنع انتهاك سيادتها الإقليمية. هذه الحقيقة أكدها البند الرابع من ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 الذي ينص بان الدول الأطراف في الاتفاقية: "وإذ تسلم باستحسان العمل، عن طريق هذه الاتفاقية، ومع ايلاء المراعاة الواجبة لسيادة كل الدول .. الخ."
وأخيرا فان اقرار المجتمع الدولي لمبدأ السيادة الإقليمية للدول الساحلية قد تأكد كذلك من قبل القضاء الدولي كما يستدل من قرار محكمة العدل الدولية في حكمها في قضية مضيق كورفو في عام 1949 عندما اعتبرت مبدأ احترام السيادة الإقليمية مبدأ أساسيا في العلاقات الدولية بين الدول المستقلة (29).
ثانيا: حماية الاستقلال السياسي للدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس من عملية زرع الألغام بموجب مبدأ حق البقاء:
شدت تطورات الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر وخليج السويس الانتباه إلى خطورة الوضع في تلك المنطقة البحرية التي تضم مضيق باب المندب، وهو المدخل الضيق للبحر الأحمر من المحيط الهندي، فضلا عن جزء من البحر الأحمر يشكل المياه الإقليمية لكل من المملكة العربية السعودية والسودان ومصر. ويعتبر البحر الأحمر من البحار الهامة للملاحة الدولية حيث انه يصل المحيط الهندي بالبحر المتوسط بوساطة قناة السويس. وتكمن خطورة الوضع في تلك المنطقة البحرية في الآونة الأخيرة في انفجار عدة الغام بحرية في مواقع متعددة في البحر الأحمر وخليج السويس، مما أدى إلى عرقلة الملاحة الدولية وتهديد السيادة الإقليمية للدول المطلة عليه. (2).
ونظرا لخطورة زرع الألغام البحرية على السفن التجارية والحربية، فقد نظمت اتفاقية لاهاي الثامنة لعام 1907 طريقة استعمالها اثناء الحروب للحد من آثارها، وبموجب المادة الثانية من اتفاقية لاهاي، يجب التمييز بين نوعين من الألغام الخطرة اللمس المتفجرة من ذاتها على النحو التالي:
1-   أن استعمال الألغام الثابتة جائز، ما لم يتبين أن خطرها مستمر بعد انقطاع مرساتها.
2-   أن استعمال الألغام العائمة ممنوع، ما لم يتبين أنها مصنوعة بشكل يزول معه خطرها ويصبح زارعها، بعد مرور ساعة على زرعها كحد أقصى، فاقدا سيطرته عليها.
ومن ناحية أخرى، ألزمت الاتفاقية المذكورة الدول المتحاربة وخليج السويس يشكل انتهاكا صريحا للسيادة الإقليمية  للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس بمقتضى قواعد القانون الدولي، لان لهذه الدول حقوق سيادة كما بينا في البند الأول على أجزاء شاسعة من المياه البحرية في البحر الأحمر وخليج السويس. وإذا كانت ضرورات التعايش الدولي تفرض على كل الدول احترام مطالب وحقوق الدول الأخرى على أساس تبادلي، مما يقتضي وضع قيود على سيادة الدول الساحلية اثناء ممارستها لحقوقها في السيادة على المناطق البحرية المحاذية لسواحلها، فان ذلك لا يعني حرمانها من اتخاذ الإجراءات الوقائية والضرورية بمقتضى المبادئ الأساسية في القانون الدولي، والمستقرة في العلاقات الدولية بين الدول المستقلة، ومن بينها أو يقصد بذلك أساسا مبدأ حق البقاء.
حق البقاء:
من المبادئ المستقرة في القانون الدولي، أن قواعد القانون الملزمة لدول ما هي إلا نتيجة الرضاء الحر كما تتجلى في المعاهدات والاتفاقيات أو بوساطة الأعراف المقبولة كمبادئ عامة لتنظيم العلاقات بين الدول المستقلة، أو من اجل تحقيق أهداف مشتركة لهذه الدول. وعليه فان حق الدولة في اتخاذ ما يلزم من الإجراءات أو الوسائل للحفاظ على أمنها وصيانة سيادتها الإقليمية يعد من الحقوق الأساسية، بحيث أنه في حالة الشك في هذا الأمر يجب تفسير الاتفاقات أو المعاهدات التي تفترض ذلك على أنها لا تقيدها.
ونتيجة لذلك اعترف المجتمع الدولي لكافة الدول بمبدأ حق البقاء الذي يعد بموجب قواعد القانون الدولي العرفي من الحقوق الثابتة وذلك حتى وان طرأت ظروف معينة قد تؤدي إلى إساءة استخدامه. ويرى في B. Cheng  في هذا الصدد البروفسور أن الاعتراف بحق البقاء للدول من اجل الحفاظ على السيادة الإقليمية والاستقلال السياسي يتطلب من الدول معرفة حدود وشروط تطبيق الحق لتفادي إساءة استخدامه. وفي اعتقادنا أن الأخذ بالمعايير الموضوعية عند التجاء الدول لمبدأ حق البقاء في غاية الأهمية وذلك إذا ما أخذنا في الاعتبار ممارسات بعض الدول في المجتمع المعاصر، حيث انه كثيرا ما استخدم هذا الحق للاعتداء على حقوق الدول الأخرى، مما يجعل من مبدأ حق البقاء في الوقت ذاته أداة لانتهاك السيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لدول العالم الثالث بصورة خاصة كما هو الحال بالنسبة للتوسع الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط واحتلال الاراضي العربية تحت ستار مبدأ حق البقاء (23).
وإذ كان حق البقاء يعطي الدولة الحق في اتخاذ كافة الإجراءات لحماية أمنها واستقلالها ضمن إقليمها وعلى جميع الأشخاص والأشياء. فان لحق البقاء الجانب الخارجي، نقصد بذلك للدولة ممارسة سيادتها خارج حدودها الإقليمية استنادا على مبدأ الضرورة أو مبدأ حق الدفاع عن النفس كأساس لحق البقاء، وذلك في حالة ما إذا كانت هناك مبررات ثابتة بان الخطر القائم يهدد كيان الدولة وبقاءها، ويشترط أن يتم الأخذ به وتطبيقه بحسن نية في العلاقات بين الدول. لان مبدأ حسن النية يعد من المبادئ الأساسية الواجب مراعاتها من الدول اثناء تنفيذها لالتزاماتها الدولية (33).
هذا ما أكده القاضي Moor في رأيه الانفرادي في قضية اللوتس عام 1927 بشان حق الدولة في التدخل في الملاحة الدولية المقررة لسفن الدول الأخرى حتى في أعالي البحار في وقت السلم استنادا على حق الدولة في ممارسة حق الدفاع عن النفس عندما قال :the lotus
“No state is authorized for interfere with the navigation of other states on the high seas in time of peace except …… in extraordinary cases of self – defence”.
ومن ناحية أخرى، فانه بموجب مبدا حق الدفاع عن النفس، فان للدول الحق في التدخل في أعالي البحار في وقت الحرب للدفاع عن مصالحها عن طريق حق الزيارة والتفتيش لسفن الدول المحايدة، وذلك في حالة توافر الظروف الخاصة التي تبرر تلك التدخل في الملاحة الدولية في أعالي البحار والتي تتمثل في دفع خطر محدق بالدولة المعنية. وقد طبق القضاء الدولي القاعدة الخاصة بحق الزيارة والتفتيش في مناسبات عديدة (34). ويمكن الأخذ بها من قبل الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس عند قيامها باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لوقف أو تفتيش السفن الأجنبية  اثناء مرورها، ليس فقط داخل مياهها الإقليمية، وانما كذلك في المناطق التي لا تخضع لسيادتها، والتي تعتبر من أعالي البحار في البحر الأحمر لحماية أمنها واستقلالها من عمليات زرع الألغام (35).
إن خطورة عمليات زرع الألغام في البحر الأحمر وخليج السويس تعتبر من الحالات الاستثنائية القائمة في المنطقة، وطبيعة الخطر المحدق في الالتجاء لمبدأي الضرورة والدفاع عن النفس، المتفرعين من المبدأ الأساسي  وهو حق البقاء وذلك لمواجهة الأخطار المحدقة لها من جراء زرع الألغام بكافة الوسائل المشروعة للحفاظ على سيادتها الإقليمية واستقلالها الداخلي والخارجي، وبدون ذلك، فان الاستقلال السياسي لهذه الدول يكون عرضه للانتهاك في المستقبل بوساطة وسائل مشابهة لزرع الألغام التي تهدد المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والحيوية للدول المطلة على البحر الأحمر.
أن ممارسة الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس لحقوقها المشروعة بموجب مبدأ حق البقاء، يعد في غاية الأهمية في ظل الأوضاع السائدة في المنطقة، وكذلك لتفادي إساءة استعمال مبدأ حق البقاء من الدول التي تضررت سفنها التجارية ومصالحها الحيوية نتيجة انفجار الألغام المزروعة في المنطقة. وتدل التجارب الدولية على مدى خطورة تواجد القوات العسكرية بالقرب من سواحل الدول الصغيرة حتى وان كان تواجدها بناء على رضاء حكومات الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس، لان عجز هذه الدول عن القيام بهمة إزالة الألغام لعدم توافر التقنية الحديثة يشكل الدافع الأساسي  لرضائها بتواجد القوات الأجنبية  لتفادي التدخل غير المشروع تحت ستار المحافظة على المصالح الحيوية للدول الكبرى، أو بعبارة اكثر دبلوماسية لحماية الملاحة الدولية في هذا الممر البحري الهام. وبناء على العرض السابق، فان المبادئ الدولية المستقرة، تعطي للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس، السبل القانونية المشروعة للتدخل في الملاحة الدولية حتى في وقت السلم لمواجهة الأخطار المحدقة بها والتي تهدد السيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لهذه الدول وفقا لمبدأ حق البقاء الذي يعد من الحقوق الطبيعية للدول والأساس الجوهري للعلاقات الدولية بين الدول المستقلة. والاهم من ذلك فان استخدامها يمنع إساءة استخدام مبدأ حق البقاء من قبل الدول الكبرى هذه المنطقة البحرية التي كانت ولا تزال محل أطماع الدول الكبرى، والتاريخ المعاصر خير شاهد على ذلك.
ثالثا: الدروس المستفادة من عملية زرع الألغام وامكانية التعاون الإقليمي بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، (الهيئة الإقليمية للارشاد والمراقبة).
تبين لنا من استعراض قواعد القانون الدولي في البندين الأول والثاني من الدراسة الصلاحيات المتاحة للدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس للدفاع عن مصالحها الحيوية ضمن الحزام البحري المحاذي لسواحلها وفي المياه الدولية. لذلك نحاول في هذا البند الإجابة على التساؤل الذي لا يزال محلا لبعض الاحتمالات السياسية، وعليه فان السؤال الذي يطرح في هذا الصدد ينحصر فيما يلي: من المستفيد من تلغيم البحر الأحمر وخليج السويس؟ ومن هو صاحب المصلحة في ذلك؟ يذكر السيد (منير الهور) في الدراسة التي أعدها لجريدة الرأي الاردنية بان الأوساط الدبلوماسية العربية والأجنبية تشير بقوة إلى مسئولية كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة عن عمليات زرع الألغام لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية لهما في منطقة البحر الأحمر أهما ما يلي (36).
1-   أن هدف إسرائيل من وراء تلغيم البحر الأحمر هو التأثير على الملاحة في قناة السويس وإحراج مصر واشغالها من جديد في عمليات أمنية ووقف التحركات المصرية للعودة إلى الصف العربي ودعم القضية الفلسطينية من جديد.
2-   أن رجل الأعمال اليوناني "بازيل تساكوس" أو شركاءه السابقين وخصومه الحاليين مستفيدون محتملون.
3-   أن الحكومة الأمريكية مستفيدة محتمل.
وأما عن الاحتمال الأول: فانه يرجع إلى أن بازيل تساكوس وشريكة خط أنابيب النفط عبر افريقيا تحاول منذ أربع سنوات كسب التأييد والدعم الرسمي الأمريكي لمشروع ضخم لمد خط أنابيب للنفط عبر افريقيا ينقل 4 ملايين برميل يوميا من النفط السعودي من ميناء على البحر الأحمر إلى ميناء بور سودان على الضفة الأخرى من هذا البحر، ثم عبر السودان وجمهورية افريقيا الوسطى والكاميرون إلى ميناء روالا الكاميروني على الأطلسي، وتقدر تكاليف المشروع بحوالي 12 ألف مليون دولار. وان كبار المسؤولين الأمريكيين الذين بحث معهم المشروع تحمسوا له لأسباب اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية.
وحيث أن الشركة السابقة قد أصابها الانشقاقات والفضائح التي تتصل بمعاملات مالية مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، فانها قد تكون المستفيد من عملية زرع الألغام بوساطة خطة احتياطية لإثارة المخاوف حول أمن الملاحة في البحر الأحمر في حالة تردد الإدارة الأمريكية في دعم المشروع. وان حسم ترددها يحتاج إلى صدمة تنبهها إلى المخاطر  (37).
أما الاحتمال الثاني فهو أن تكون الولايات المتحدة المستفيد الآخر من عملية زرع الألغام، وهذا الاتهام يستند إلى الاتهام الذي وجهه الاتحاد السوفيتي إلى الولايات المتحدة بأنها تحاول استغلال عملية زرع الألغام لتوسيع وجودها العسكري في المنطقة، وكذلك في ضوء رفض الكونغرس الأمريكي طلب الحكومة الأمريكية برصد مبلغ 115 مليون دولار لتطوير القاعدة المصرية "رأس بناس" على البحر الأحمر وذلك عند بحث ميزانية عام 1985. ومن المعروف أن مصر رفضت الموافقة على وجود عسكري مقيم في القاعدة. ولا تزال الحكومة الأمريكية تحاول اقناع الكونغرس بالموافقة على المبلغ المقترح. لذلك فان الاحتمال كبير بان تكون الحكومة الأمريكية قررت زعزعة الوضع الأمني في البحر الأحمر لجعل الكونغرس يوافق على رصد هذه الاموال على الرغم من الرفض المصري للوجود العسكري الدائم الأمريكي (38).
لذلك فان الاحتمال كبير أن يكون التوتر الأمني في البحر الأحمر وخليج السويس أحد وسائل الحكومة الأمريكية في اقناع الحكومة المصرية بأنها تحتاج إلى مناورات النجم الساطع. يؤكد هذا الاحتمال الاهتمام الأمريكي غير المألوف بقضية إزالة الألغام رغم انه حتى الآن لم تصب سفينة أمريكية واحدة، ورغم الكثافة النسبية لحركة الملاحة الأمريكية عبر قناة السويس والبحر الأحمر. هذا في الوقت الذي تضررت فيه 19 سفينة أجنبية وعربية من جراء انفجار الألغام في تلك المنطقة. وتؤكد بعض التحليلات السياسية أن المشاركة الأمريكية في إزالة الغام البحر الأحمر والتي لم يثبت أصلا مصادرها، قد يكون هدفها هو إخفاء سر هذه الألغام وليس إزالتها أو الكشف عن مصادرها، إلى حين تتمكن الولايات المتحدة أو غيرها من تحقيق أهدافها غير المشروعة في هذه المنطقة (39).
وبدون الدخول في مدى صحة الاحتمالات السابقة من عدمها، فان الحقيقة الثابتة هي أن الدول العربية المطلة على البحر الأحمر هي الخاسر المباشر من عمليات زرع الألغام مهما كانت ضآلة أو عدم جسامة الاضرار التي لحقتها من جراء انفجار الألغام، لان التظاهرة العسكرية للقوات الأجنبية  بينت مدى ضعف الدول العربية المطلة على البحر الأحمر من الناحية العسكرية في توفير الحماية اللازمة لسواحلها أو للملاحة الدولية. ومن ناحية أخرى فن عجز الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس عن حماة الأمن الملاحي في المنقطة، قد يساهم في تواجد القوات الأجنبية  في تلك المنطقة للمحافظة على ما تدعيه بعض الدول من تهديد لمصالحها الحيوية في المنطقة سواء أكان ذلك بصورة تسهيلات عسكرية في بعض الجزر العربية المتواجدة في عرض البحر الأحمر أم من خلال تواجد القوات البحرية بصورة دائمة في المنطقة، وذلك بحجة البحث عن الألغام المتوقع تواجدها في المستقبل، أو لتفادي تكرار مثل هذه الأعمال غير المشروعة.
ومن جانب آخر، فان عملية زرع الألغام في المنطقة الممتدة ما بين خليج السويس وباب المندب عند الطرفين الشمالي والجنوبي للبحر الأحمر، وما ترتب على ذلك من التظاهرة العسكرية للقوى الدولية – قد تشكل دافعا للدول المطلة على البحر الأحمر بان تكون اكثر استعدادا لمواجهة حالات مشابهة بسبب الظروف التي تمر بها المنطقة والاعتماد على قوتها الذاتية للدفاع عن كيان الدولة المادي والسياسي. وبدون ذلك فان سيادة واستقلال الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس سوف تكون عرضة للانتهاك في المدى القريب.
الجهاز الإقليمي للارشاد والمراقبة:
منعا لتداول قضية الغام البحر الأحمر كما تنادي بذلك الأوساط الغربية، فان على الدول العربية المطلة على البحر الأحمر،عدم التقاعس في عقد مؤتمر لوضع استراتيجية عربية واضحة لحماية أمن وسلامة الملاحة الدولية في هذه المنطقة، الذي يعد ضمانة حقيقية للمحافظة على الاستقلال السياسي والسيادة الإقليمية للدول المطلة على البحر الأحمر من التهديدات والأخطار المحدقة بها (40).
وتجدر الإشارة إلى أن دولتين عربيتين (مصر والسودان ) فقد اخذتا المبادرة للدعوة إلى مثل هذا المؤتمر لوضع الخطط الضرورية لمواجهة المخاطر الناجمة عن الانفجارات أو التهديدات التي تواجه هذه الدول من الأعمال غير المشروعة كما هو الحال بالنسبة لعملية زرع الألغام البحرية.
وفي ضوء الاعتبارات السابقة يصبح من الأهمية بمكان العمل على إنشاء جهاز إقليمي للارشاد ومراقبة السفن التي تستخدم هذه البحار. هذا الاقتراح يبدو أكثر إلحاحا في المرحلة الحالية في ضوء الحرب العراقية الإيرانية، حيث أن عملية زرع الألغام البحرية في البحر الأحمر وخليج السويس جاءت في أعقاب قيام العراق وبعض دول الخليج العربي بإعداد الخطط لاستخدام البحر الأحمر كممر بحري لتصدير نفط دول الخليج العربية إلى العالم بدلا من استخدام مضيق هرمز الذي لم يعد آمنا بسبب التهديدات المتكررة بإغلاق هذا المضيق الدولي، وبعد أن تعرضت بعض ناقلات النفق للقصف الجوي غير المميز من الدول المتحاربة.
ومن ناحية أخرى، فان إنشاء جهاز إقليمي للارشاد والمراقبة يتركز على توثيق التعاون الأمني والاقتصادي بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، قد يؤدي إلى استقرار الأمن والسلام في هذه المنقطة، ويعطي لهذه الدول الحق في مراقبة السفن التجارية التي تستخدم هذا الممر البحري، ويمنع في الوقت ذاته إساءة استخدامها لمبدأ حق المرور العابر في المضايق والقنوات العربية أو إساءة استخدام مبدأ حرية الملاحة في أعالي البحار لتلك المنطقة كما حدث بالنسبة لعملية زرع الألغام البحرية في البحر الأحمر وخليج السويس.
وأخيرا، فان الغموض المحيط بالانفجارات، يتطلب من الدول العربية المطلة على هذا الممر البحري الاستراتيجي تسخير امكاناتها الذاتية لتجنب مياهها الإقليمية أو قنواتها أو المضايق التي تطل عليها من أن تكون مسرحا للاعمال العسكرية ذات الطابع العدواني غير المشروع.
أن إبراز الجوانب القانونية لحقوق الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس إنما يقصد منه بيان مدى مساهمة قواعد القانون الدولي للبحار بصورة خاصة وقواعد القانون الدولي بصورة عامة في توفير الضمانات للدول المطلة على هذه المنطقة للحفاظ على أمنها واستقلالها السياسي من عمليات زرع الألغام البحرية.
وهكذا يتبين لنا من هذه الدراسة أن القانون الدولي بما حواه من مبادئ وقواعد قانونية لحل المشاكل الدولية، يتيح للدول وخاصة الدول الصغرى الاستفادة منه لحماية استقلالها السياسي، وعليه فان التقليل من فعالية ودور القانون الدولي في هذا المجال كما يحاول البعض من رجال السياسة لا يخدم إلا الدول التي باستطاعتها استخدام القوة مهما كانت غير مشروعة لتحقيق أهدافها العسكرية أو السياسية حتى وان كان الثمن التضحية بالاستقلال السياسي للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج السويس على سبيل المثال بوساطة تلغيم البحر الأحمر وخليج السويس.

 
الهوامش:
(1)    بلغ العدد الاجمالي للسفن التي تضررت من جراء انفجار الألغام في البحر الأحمر حتى 27 أغسطس 1984، تسع عشرة سفينة تجارية من مختلف الجنسيات، كذلك وقع انفجار في سفينة سعودية للشحن ونقل الركاب (بلقيس) بتاريخ 21/9/1984 عند الطرف الشمالي لخليج السويس. وقد رست في "عين السخنة" عند أقصى الطرف الجنوبي لقناة السويس. انظر الملحق رقم (1) بشان مواقع الانفجارات. وبالنسبة لتاريخ وقوع الانفجارات وجنسيات السفن التي تضررت من جراء الانفجارات. انظر الدراسة التي أعدها السيد/ منير الهور بعنوان "اللغز المحير" في مياه البحر الأحمر. جريدة الرأي الاردنية (العدد 5212) الثلاثاء 25 سبتمبر 1984 ص 26. وحول الاضرار التي لحقت بسفينة الشحن السعودية بلقيس، انظر جريدة الوطن الكويتية، العدد (3443) السنة 23، 21/9/1984 الصفحة الأخيرة.
(2)    الدول العربية المطلة على البحر الأحمر هي على التوالي: جمهورية مصر العربية، المملكة الاردنية الهاشمية، المملكة العربية السعودية، الجمهورية العربية اليمنية، جمهورية اليمن الديمقراطية، السودان، وجيبوتي، للموقع الجغرافي لكل دولة عربية على حدة، انظر الملحق رقم (1).
(3)    لمزيد من التفاصيل حول تواجد القوة المتعددة الجنسيات في البحر الأحمر وخليج السويس، راجع مقالة بعنوان:
the Minesweepers move in, Newsweek / August 27, 1984, pp. 12 – 13.
(4)    حتى الانتهاء من كتابة هذه الدراسة، لم تستطيع كاسحات الألغام الأمريكية والبريطانية والفرنسية والايطالية، خاصة ما يتوافر لديها من أساليب التقنية الحديثة من تحديد الجهة أو الدولة التي زرعت الألغام، خاصة بعد أن نفت كل من ليبيا وايران مسئوليتها عن الاتهام الموجه إليهما من الرسميين في مصر وأمريكا بتلغيم البحر الأحمر وخليج السويس. هذا وقد أعلن في لندن، بان جماعة الجهاد الإسلامي islamiv Holy War  اعلنت مسئوليتها عن زرع 190 لغما في البحر الأحمر وخليج السويس لمعاقبة الامبريالية التي تشجع توسيع دائرة الحرب العراقية الايرانية. انظر في هذا الصدد.
Newsweek August 13 (1984), “A case of Mystery Mines”
(5)    هذا الاحتمال لتلغيم البحر الأحمر تؤكده الأنباء التي ذكرت بان وزير النفط العراقي السيد قاسم احمد وقع عقدا مع شركتين أجنبيتين يوم الخميس 27 سبتمبر 1984، إحداهما ايطالية والاخرى فرنسية، لتنفيذ المرحلة الأولى من خط أنبوب تصدير النفط العراقي الخام عبر الاراضي السعودية والذي يبلغ طوله 640 كيلو متر بتكلفة 508 ملايين دولار. وتبلغ طاقة المرحلة الأولى للمشروع نصف مليون برميل يوميا وحددت فترة إنجازها بـ 11 شهرا اعتبارا من بدء التنفيذ.
لتفاصيل المرحلة الأولى من المشروع، انظر جريدة الأنباء الكويتية (العدد 3145) السنة التاسعة، الأنباء الاقتصادية – 28/9/1984 ص 5.
(6)    ذكر مدير المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية للسيد Adim, Sir james eberle  في مقابلة له في مجلة newsweek  بتاريخ 12 أغسطس 1984، الاحتمال التالي لبيان دوافع ايران في زرع الألغام بقوله:
Iran could also be warning the Saudis that any oil shipped through the Red sea will be  vulnerable if they continue to support Iraq”.
حول هذه الاحتمالات والبواعث، انظر المقالة:
Fighting to the Mines of August Newsweek August, 20 (1984) pp. 28 – 29).
(7)    هذا الاحتمال ذكره السيد/ لطفي الخولي بناء على ما اجمع عليه السياسيون والماليون الفرنسيون من أن قضية الغام البحر الأحمر مفتعلة أمريكيا عند عمد. وبين أن ديون أمريكا اللاتينية قد بلغت بالنسبة إلى البرازيل 120 مليار دولار. و84 مليار دولار للمكسيك، و28 مليار دولار للأرجنتين.
حول هذا الاحتمال ومبرراته، انظر مقالة السيد لطفي الخولي بعنوان: التفسير البترولي لألغام البحر الأحمر. جريدة الأنباء، 10 سبتمبر 1984 -  الصفحة الأخيرة.
(8)   حول القنوات الدولية البحرية والنظام القانوني الذي يحكمها، انظر: د. عبد العزيز سرحان – مبادئ القانون الدولي العام، المبحث الثالث – النظام القانوني لعناصر إقليم الدولة.
ثانيا: العنصر المائي في إقليم الدولة – القنوات البحرية (1980) ص 417.
كذلك انظر الدكتور محمد طلعت الغنيمي، الوسيط في قانون السلام – الفصل السادس (في قانون الماء) (القنوات) (1982) ص 755.
(9)    حول المركز القانوني للمضايق الدولية، انظر، د. محمد طلعت الغنيمي، المرجع السابق – قانون السلام، المضايق ص 729. ولمعرفة الوضع القانوني للمضايق الدولية العربية مثل مضايق تيران، ومضيق باب المندب، انظر د. عبد العزيز سرحان – المرجع السابق – مبادئ القانون الدولي العام (5 – المضايق) ص 431 – 435.
(10)                    للتطور التاريخي والقانوني للممرات البحرية الصناعية وبصورة خاصة لقناة السويس – انظر: د. مصطفى الحناوي، قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة – الجزء الثالث، حرية الملاحة فيف القناة (المبادئ القانونية العامة – 1956 – ص 23 وما بعدها).
(11)                    لدراسة مفصلة للجوانب القانونية والسياسية والتاريخية لقناة السويس وسيادة مصر على القناة بموجب اتفاقية القسطنطينية والاتفاقات اللاحقة. انظر: د. مصطفى الحناوي – قناة السويس – ومشكلاتها المعاصرة – الجزء الثالث – حرية الملاحة في القناة – 1956.
(12)                    المادة الثانية من اتفاقية القسطنطينية لعام 1888.
(13)                    هذا ما أكدته مصر أيضا في عام 1957 عندما أصدرت تصريحا منفردا أبلغته الأمين العام للأمم المتحدة باعتباره وثيقة دولية، تعلن فيه أن سياسة مصر طبقا لمعاهدة القسطنطينية والالتزامات الناجمة عنها. لمزيد من التفاصيل حول الوضع القانوني لقناة السويس ابتداء من اتفاقية القسطنطينية إلى صدور التصريح المنفرد في عام 1957. انظر: د. عبد العزيز سرحان – المرجع السابق – مبادئ القانون الدولي – قناة السويس ص 418.
(14)                    قررت المادة العاشرة هذا الحق لمصر عندما نصت على أن:
كذلك لا تتعارض أحكام المواد 4، 5، 7، 8، مع التدابير التي قد يرى جلالة السلطان أو سمو الخديوي ضرورة اتخاذها باسم صاحب الجلالة الإمبراطورية ليضمنا بواسطة قواتها وفي حدود الفرمانات الممنوحة، الدفاع عن مصر وصيانة الأمن العام.
(15)                    حول مدى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (423) على النظام القانوني لقناة السويس، انظر: الأسباب التي أوردها د. سرحان في هذا الشان – الهامش رقم (1) المرجع السابق مبادئ القانون الدولي ص 422، 423.
(16)                    أكد د. محمد طلعت الغنيمي على هذه القاعدة الدولية المتعلقة بحق الدولة الساحلية بتفتيش السفن التي تكون متجهة أو خارجة، وتعرقل الملاحة الدولية في القناة، عندما ذكر: بان عدم احترام سفن الدول الأجنبية  لتلك الالتزامات يسمح للدول صاحبة السيادة (مصر) بان تمنع حرية المرور على السفن المخالفة التابعة للدول غير الموقعة.
مرجع سابق، الغنيمي الوسيط في قانون السلام (1982) ص 756.
(17)                    قررت الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة بان تعمل الهيئة وأعضاؤها لتحقيق مقاصد الهيئة بمقتضى المبادئ التالية:
1-   تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.
(18)                    بينت المحكمة الدائمة للتحكيم الارتباط بين السيادة والاستقلال في قضية
the isiand of palamas Case عندما قررت بان:
“Sovereignty in the relations between Stats signifies independence. independence in regare to a portion of the globe is the right to exercese therein, to the exclusion of any other State, the functions of a State”.
(19)                    هذا ما أكدته صراحة الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة عندما نصت على انه: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديدات باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الاراضي أو الاستقلال السياسي لاية دولة أو أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
(20)                    عرفت محكمة العدل الدولية المفهوم القانوني للمضايق الدولية عندما ذكرت في حكمها عام 1949 (قضية كورفو) ما يلي:
“ …….. in the opinion of the Court the decisive is rather its geographical situation as connecting two parts of the high seas and the fact of its being used for international navigation”.
وأضافت المحكمة Having regard to these various vonsideration
the Court has arrived at the conclusion that the Nort Corfu Channel should be considered as belonging to the class of international highways therough which passage cannot be prohibited by a coastal State in tine of peace.
(21)                    حول المفهوم القانوني للمضايق والمركز القانوني لها، انظر المرجع السابق، الغنيمي الوسيط في قانون السلام ص 729.
(22)                    هذا وتضع الفقرة الثانية من المادة الخامسة من معاهدة كامب ديفيد لعام 1979 نظاما قانونيا خاصا لكل من مضيق تيران وخليج العقبة، إذ تقضي:
الطرفان (إسرائيل ومصر) أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول، دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي، كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من اجل الوصول إلى اراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة".
وبهذه الفقرة، فان المركز القانوني لمضيق تيران وخليج العقبة لا يخضع للاحكام العامة كما جاءت في اتفاقية البحار لعام 1982 حيث انه خصص لهما نظام قانوني خاص بمقتضى المعاهدة التي أبرمت بين مصر وإسرائيل في عام 1979.
(23)                    لابد من الذكر بان الفقرة الأولى من المادة 34 قررت بان نظام المرور العابر خلال المضائق المستخدمة للملاحة الدولية يجب ألا يمس ممارسة الدولة المشاطئة لسيادتها أو ولايتها على هذه المياه وحيزها الجوي وقاعها وباطن أرضه.
(24)                    المادة (17) من اتفاقية البحار لعام 1982.
(25)                    الفقرة (2) من المادة (38) من اتفاقية البحار لعام 1982، ونصت الفقرة (3) من المادة ذاتها – بان: "يبقى أي نشاط لا يكون ممارسة لحق المرور العابر في أي مضيق خاضعا لما في هذه الاتفاقية من أحكام أخرى منطبقة".
(26)                    لدراسة متعمقة لنصوص اتفاقية البحار بشان المرور العابر في المضائق الدولية قبل إقرارها في عام 1982، انظر (بند المرور العابر) المرجع السابق، الغنيمي الوسيط في قانون السلام (1982) ص 746 وبصورة خاصة الهامش رقم (1) ص 753.
(27)                    حول الأساس القانوني لممارسة دول الخليج لحقها في البحر الإقليمي والمنطقة الملاصقة والامتداد القاري، انظر: د. بدرية العوضي – القانون الدولي للبحار في الخليج العربي (1976 – 1977) الفصل الثاني. حول حقوق الدولة الساحلية على البحر الساحلي أو البحر الإقليمي، انظر المرجع السابق، الغنيمي الوسيط في قانون السلام. الفرع الثالث – البحر الساحلي. لدراسة مفصلة بشان قانون البحار بصفة عامة في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، انظر د. صلاح الدين عامر – القانون الدولي للبحار الجديد – (1982).
(28)                    عددت الفقرة الفرعية أ إلى ل من الفقرة الثانية الأنشطة التي تعد ضارة بسلم الدولة الساحلية أو بحسن نظامها أو بأمنها إذا قامت السفينة الأجنبية  بممارستها في البحر الإقليمي على النحو التالي:
(أ‌)    أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة الدولة الساحلية أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأي صورة أخرى انتهاكا لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الأمم المتحدة.
(ب‌)                 أي مناورة أو تدريب بأسلحة من أي نوع.
(ج) أي عمل يهدف إلى جمع معلومات تضر بدفاع الدولة الساحلية أو أمنها.
(د) أي عمل دعائي يهدف إلى المساس بدفاع الدولة الساحلية أو أمنها.
(هـ) إطلاق أي طائرة أو إنزالها أو تحميلها.
(و) إطلاق أي جهاز عسكري أو إنزاله أو تحميله.
(ز) تحميل أو إنزال أي سلعة أو عملة أو شخص خلافا لقوانين وأنظمة الدولة الساحلية الجمركية أو الضريبية أو المتعلقة بالهجرة أو الصحة.
(ح) أي عمل من أعمال التلويث المقصود والخطير يخالف هذه الاتفاقية.
(ط) أي أنشطة صيد السمك.
(ي) القيام بأنشطة بحث أو مسح.
(ك) أي فعل يهدف إلى التدخل في عمل أي من شبكات المواصلات أو من المرافق أو المنشات الأخرى للدولة الساحلية.
(ل) أي نشاط آخر ليست له علاقة مباشرة بالمرور.
(29)                    تجدر الإشارة إلى أن محكمة العدل الدولية لم تأخذ بالتبريرات التي ساقها ممثل الحكومة البريطانية بشان مشروعية عمليات إزالة الألغام في مضيق كورفو للحصول على دليل لإدانة ألبانيا، وذلك دون اخذ تصريح من الحكومة الألبانية، وبررت الحكومة البريطانية موقفها استنادا على مبدأ Self-protection or self-hilp  وقررت ما يلي:
the court cannot accept this defence either, between independent State respect for territorial sovereign is an essential foundation of international relation.
و بالنسبة للمبادئ القانونية الدولية الأخرى التي أقرتها المحكمة في هذه القضية انظر:
international law through the Cases. L. C. green: second Edition, 1970, p. 454.
(30)                    اللغم البحري هو جهاز يحتوي على شحنة كبيرة جدا من المواد المتفجرة مخصص للانفجار فيف الماء حيث يتم تفجيره بوسائل مختلفة، ومن الناحية الفنية تختلف الألغام من حيث طريقة استعماليها، إذ يمكن تفجيرها أما بتوجيه تيار كهربائي، أو باللمس (الألغام الثابتة، أو العائمة أو الممغنطة) . لوسائل القتال في الحرب البحرية، انظر شارل روسو، قانون المنازعات المسلحة رقم 154 وما يليه (1983). كذلك د. بدرية العوضي، القانون الدولي العام في وقت السلم والحرب، وتطبيقه في دولة الكويت (1979) الفصل الثاني من الباب الثالث (قوانين الحرب البحرية) ص 374.
(31)                    وتجدر الإشارة إلى أن الدول المتحاربة لم تراع اثناء الحربين العالميتين الشروط السابقة، واستخدمت الألغام البحرية في مناطق بحرية شاسعة. ويذكر أن حوالي 600.000 لغم قد زرعت ما بين 1939، و1945 وكذلك أقامت أمريكا حصارا من الألغام حول شواطئ فيتنام الشمالية ابتداء من 1972 حتى تاريخ الاتفاق على وقف القتال في عام 1973. هذا وقد قامت الولايات المتحدة بزرع الألغام مؤخرا في مواني جمهورية نيكاراجوا كوسيلة للضغط عليها.
(32)                    من المبادئ الثابتة في القانون الدولي، أن التجاء الدولة لحق البقاء للدفاع عن أمنها وسلامتها لا يجيز لها تهديد وجود دولة أخرى. هذا ما أكده الفروفسور B. Cheng عند تحليله لالتجاء الدول لمبدأ الضرورة كأساس لحق البقاء عندما ذكر:
“At all events it would appear that it can never be justifable in danger the existence of state in order to preseve the existence of another” B. chnge. p. 75.        المرجع السابق :
(33)                    أكدت الفقرة الثانية من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على مبدأ حسن النية كأساس لتنفيذ الالتزامات الدولية المنصوص عليها في الميثاق. عندما قررت ما يلي:
لكي يكفل أعضاء الهيئة لانفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية، يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق.
(34)                    لموقف المحاكم ولجان التحكيم الدولية من مبدأ حق البقاء ومبدأ الضرورة وحق الدفاع عن النفس، انظر المرجع السابق: الجزء الأول
B. cheng external Applications of the principle of selt-preservation. p. 69.
(35)                    هذا الحق الطبيعي للدول الساحلية تناولته الفقرة الأولى من المادة الأولى من الاتفاقية الدولية بشان التدخل في أعالي البحار في حالة الكوارث البحرية الناتجة من التلوث النفطي لعام 1969، وبموجب الفقرة السابقة يجوز للدولة الساحلية التدخل في أعالي البحار واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لمنع أو الحد من الأضرار التي قد تلحق سواحلها أو مصالحها المرتبطة من جراء التلوث النفطي. وبينت الفقرات الفرعية (ا، ب، ج) من الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الاتفاقية معنى المصالح المرتبطة على أنها تعني، مصالح الدولة الساحلية المباشرة المتضررة أو المهددة من جراء الكارثة البحرية، وأوردت بعض الأمثلة الدالة على ذلك مما يدل على اهتمام المجتمع الدولي بحماية مصالح الدولة الساحلية استنادا على مبدأ حق البقاء ومبدأ الدفاع عن النفس ومبدأ الضرورة.
(36)                    لمزيد من التفاصيل، انظر المقالة بعنان (اللغز المحير) في مياه البحر الأحمر، جريدة الرأي الاردنية، إعداد منير الهور. 25/9/1984 ص 26.
(37)                    ذكرت جريدة السفير أن التردد الرسمي الأمريكي لدعم المشروع يرجع إلى قلقها من عدم وضوح مصادر تمويل مشروع تساكوس خشية أن يكون مصدر الاموال حكومات أجنبية، وقد رفض تساكوس الكشف عن مصادر تمويله. جريدة السفير اللبنانية – العدد 3695 ص 11، 28 أغسطس 1984.
(38)                    هذا وقد جاء في التقرير أن من بين الأمور غير المعلنة رسميا أن مصر طلبت إلغاء مناورات (النجم الساطع) التي تجري سنويا منذ بضع سنوات ففي مصر بين القوات المسلحة المصرية والقوات المسلحة الأمريكية وأنه بعد مفاوضات شاقة، وافقت أمريكا على الطلب المصري وهي متضررة من ذلك. المرجع السابق، جريدة السفير اللبنانية.
(39)                    حول التطورات الأخيرة لعمليات البحث عن مصادر الألغام فقد ذكرت جريدة القبس بان القيادة العليا للقوات المسلحة المصرية أعلنت أن اللغم الذي عثرت عليه الوحدة البريطانية في خليج السويس قبل حوالي أسبوعين هو سوفيتي الصنع. وهذا أول تأكيد رسمي يصدر من القاهرة حول اللغم اللغز الذي عثر عليه في 12 سبتمبر الماضي. ويبلغ طول اللغم 3 أمتار وهو عبارة عن أسطوانة معدنية ويعتبر أول لغم متطور تعثر عليه القوات متعددة الجنسيات الباحثة عن الألغام ففي خليج السويس. جريدة القبس – العدد 4447 السنة الثالثة عشر – 1/10/1984 ص 21.
(40)                    تجدر الإشارة إلى أن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري قد أصدرت بيانا في شهر أغسطس 1984 بهذا الشان ذكرت فيه:
"أن أمن البحر الأحمر مسئولية عربية أولا، وقد آن الأوان لوضع استراتيجية عربية واضحة تشارك فيها الدول العربية المطلة على البحر الأحمر لحماية هذه المنطقة من التهديدات والأخطار" وأصدرت الحكومة السودانية بتاريخ 30 أغسطس بيانا اعلنت فيه أنها دعت ثماني دول مطلة على البحر الأحمر للاشتراك في المؤتمر الإقليمي الخاص بأمن البحر الأحمر الذي تقرر عقده في الخرطوم يوم 16 سبتمبر 1984 على مستوى وزراء الخارجية والدول المدعوة هي: السعودية، مصر، الأردن، السمن الشمالي، اليمن الجنوبي، جيبوتي، الصومال، أثيوبيا والسودان (تأجل عقد هذا الاجتماع لاجل غير مسمى). انظر مجلة المستقبل – أغسطس (1984).


*  أستاذة مساعدة بقسم القانون الدولي بكلية الحقوق – جامعة الكويت.